الأرض تدور
مكث
على ربوة عالية من الأرض, وإتكأ على جذع شجرة التوت وأرخى جسده, وألقى
عصاه بجانبه, ونظر بعينيه نظرات مليئة بالطمأنينة والاشباع, انبسطت الأرض
أمامه, الحقول الممتدة على امتداد البصر ترسم لوحة طبيعية لهذا الصباح.
تحت
شجرة التوت في وسط الأرض الخضراء الممتدة اختلى الحاج سويلم بنفسه يعيد
حساباته, لم يدر.. لماذا اندفعت إلى ذهنه كل هذه الصور والأفكار عندما وجد
نفسه, إنها ساعة الاختلاء الوجداني بالروح لمناجاة الذات, واستعادة ذكريات
قد أكل منها النسيان الشيء الكثير, ينظر إليها كلما رآها وطالت نظراته إلى
خطواتها , واثقة كشجرة صنوبر متعالية في الفضاء لا يحد من ثناياها شيء,
تذكر عندما ذهب إلى الشيخ عبد التواب خطيب المسجد طالباً الزواج من إبنته
هدى, كان متوتراً من ضيق ذات اليد.
أجلسه الشيخ بجواره, ثم توجه ناحيته وتمتم:
ــ
أنت شاب وعلى خلق, وتملك سمعة طيبة, وإني لا أجد أفضل منك لإبنتي. في هذه
اللحظة كانت هدى تطرق الباب, تحمل بين يديها صينية عليها كوبين من الشاي..
فلما اقتربت كان يختلس النظر, وهي تسير على مهل وعيناها تنظران إلى الأرض,
تنبه لكلمات الشيخ عبد التواب وهو يحدثها في أمر الزواج, ابتسمت في صمت ثم
انصرفت مسرعة, توجه الشيخ ناحيته مبتسماً:
ــ
على خيرة الله ! عاد يتلذذ بإجترار جبل الذكريات القديم, و لم يخامره الشك
لحظة في أن الذكريات القديمة قد تختفي عن عينيه أو تهجره. قالت له ذات
يوم :
ــ إني أحبك طول العمر وحتى بعد العمر.
تبدد
الليل الطويل يقلب صفحات الماضي يتذكر صوراً من الصبا, يزيح غباراً عن زمن
كاد أن يكون منسياً, وهو يقرأ هنا كان يفعل, وهنا كاد أن يفعل, امتدت يده
يرسم خطوطاً ودوائر يدرك ماذا تعني له هذه الأشياء؟
انشق القمر نصفين.. نصف ظل هلالي, واكتمل عندما همست في أذنه:
ــ إني حامل .
اتسعت
الأرض اتساعاً لم يشهده من قبل, ودارت حول نفسها, ودارت الأفكار تراوده,
قبل أن تغرب الشمس كان يتكيء على عصاه عند عودته للمنزل.
بقلم الأديب/ مجدى متولى إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق