السبت، 24 أغسطس 2019

مرافيء........ بقلم / السعيد عبد العاطي مبارك



صورة ذات صلة



مرافيء
السعيد عبد العاطي مبارك - الفايدي " مصر "
-----------------------
( بين أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب ، و الشاعر الحطيئة ، و الزبرقان ٠٠ !! ) 
دَعِ المَكَارِمَ لَا تَــرحَـــل لِبُغْيَــتِها*

وَاقْعُد؛ فَإنَّكَ أنتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي ٠
= = =

مَاذَا تَقُوْلُ لِأفراخٍ بِذِي مَرَخٍ *
زُغْبِ الحَوَاصِل لاَ مَاءٌ وَلاَ شَجَرُ
ألقَيْتَ كاسِبَهُمْ فِيْ قَعْر مُظلمةٍ *
فَاغْفِرْ عَلَيْكَ سَلامُ الله يَا عُمَرُ ٠
--------

عودة الي كتاب ( الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ) ٠
نتصفح من فصوله و أخباره تلك النوادر التي بين أيدينا في تأملات تنم عن لغة و فكر وحوارات تشرق من أغوار النفس حول القيم الإنسانية النبيلة ولم لا فتلك القصة بمثابة درسا تربويا هادفة من وراء " الكلمة " الهادفة تحذيرات من غرض الهجاء و مدي أثره في العلاقات الإنسانية السلبية ٠
و قد وردت تلك القصة في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه ، و في كتب الأدب الأخري ٠
و لكننا نعرضها هنا بتصرف حيث نجردها من التكرار و ما شابه ذلك ٠

عندما نتأمل أغراض الشعر العربي من غزل و مدح و رثاء وهجاء و فخر و حماسة ٠٠٠ الخ ٠ 
نتوقف مع غرض ( الهجاء ) ذالكم السيف المسلط بالكلمة التي هي أشد من طلقات الرصاص حيث نتائجها الوخيمة ومردودها بالشر علي الفرد و المجتمع معا ٠
و من ثم اخترت هذا النموذج من شعرنا العربي لنبرهن للقاريء الكريم أثر هذا بين الناس و ما أكثرها في كتب الادب ٠

" بين الفاروق عمر بن الخطاب و الشاعر الحطيئة و الزبرقان " ٠ 
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
دَعِ المَكَارِمَ لَا تَــرحَـــل لِبُغْيَــتِها *

وَاقْعُد؛ فَإنَّكَ أنتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي٠
في البداية نعلم أن الشاعر " الحطيئة " مخضرم هجاء لم يسلم من أذي لسانه حتي أهله و أقرب الناس اليه أيضا ٠
فقد هجا أمه و زوجته حتي أولاده ٠٠٠
إلاّ أن عاطفته الجياشة بالحب لأبنائه أنقذته من موت محتوم. 
وذلك أن الشكاوي كثرت إلى عمر بن الخطاب ضد الحطيئة فألقاه عمر - رضي الله عنه- في الحبس.

لما هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر التميمي ، من وجهاء قومه ، و
أحد رجال وفد بني تميم الذين وفدوا على الرسول في عام الوفود.

بهذا الشعر الذي يقول فيه:
دَعِ المَكَارِمَ لَا تَــرحَـــل لِبُغْيَــتِها
وَاقْعُد؛ فَإنَّكَ أنتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي
استعدى عليه عمر بن الخطاب، وأنشده البيت، فقال: 
ما أرى به بأسا! ٠
قال الزبرقان: 
والله يا أمير المؤمنين، ما هجيت ببيت قط أشدّ عليّ منه! ٠
فبعث إلى حسان بن ثابت وقال: 
انظر إن كان هجاه.

فقال: ما هجاه، ولكن سلح عليه!٠
ولم يكن عمر يجهل موضع الهجاء في هذا البيت، ولكنه كره أن يتعرّض لشأنه، فبعث إلى شاعر مثله- وأمر بالحطيئة إلى الحبس، وقال: 
يا خبيث، لأشغلنّك عن أعراض المسلمين.

فكتب إليه من الحبس يقول:
مَاذَا تَقُوْلُ لِأفراخٍ بِذِي مَرَخٍ
زُغْبِ الحَوَاصِل لاَ مَاءٌ وَلاَ شَجَرُ
ألقَيْتَ كاسِبَهُمْ فِيْ قَعْر مُظلمةٍ
فَاغْفِرْ عَلَيْكَ سَلامُ الله يَا عُمَرُ
أَنْتَ الإمامُ الذِيْ مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ
ألقَتْ إلَيكَ مَقَالِيْد النّهَى البَشَرُ
مَا آثرُوْكَ بِهَا إذَا قَدّمُوْكَ لَهَا
لٰكِنْ لِأنْفُسِهِمْ قَد كَانَتِ الإثرُ ٠
لما سمع عمر ذلك بكى وأحضره. فقال: 
قد والله يا أمير المؤمنين هجوت أبي وامرأتي وأمي.

قال: وكيف ذلك؟ 
قال قلت لأبي:

وَلَقَدْ رَأيتُكِ فِي المَنَامِ فَسُؤْتِنِيْ
وَأبَا بَنْيِكِ فَسَاءَنِيْ فِي المَجْلِسِ
وقلت لأمي:
تَنَحِّي فَاجْلِسِي مِنِّي بَعِيْدًا
أَرَاحَ اللهُ مِنْك العَالَمِيْنَا
أغِرْ بَالاً إذَا اَستُوْدِعْتِ سِرًّا
وَكَانُوْنًا عَلَى المتحدّثِيْنَا
وقلت لامرأتي:
أطوّف مَا أطوّفُ ثم آوي ... إلى بيتٍ قَعيدتُهُ لَكاعِ
واطلعت في بئر فرأيت وجهي قبيحاً فقلت:
أبَتْ شَفَتَاي اليَوْمَ إلاَّ تَكَلُّماً
بِسُوء، فَمَا أدْرِى لِمَنْ أنَا قَائِلُهْ
أرَى ليَ وَجْهاً شَوَّهَ الله خَلْقَهُ
فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهْ
فتبسم عمر، وقال: فإن عفونا عنك، أتهجو بعدها أحداً؟ 
قال: لا يا أمير المؤمنين، وعلي بذلك عهد الله! 
فقال: 
لكأني بفتىً من قريش قد نصب لك نمرقة، فاتكأت عليها، وأقبلت تنشده في أعراض المسلمين. 
قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين.
قال بعض الرواة: فوالله لقد رأيته عند عبيد الله بن زياد على الحال التي ذكر عمر، فقلت له:
لكأن أميرالمؤمنين عمر كان حاضرًا لك اليوم، فتأوه. 
وقال: 
رحم الله ذلك المرء، فما أصدق فراسته!.

هذه كانت صفحة مشرقة من تاريخ أدبنا العربي صورت لنا عمق نظرة المفردات التي تظهر في بلاغة ظاهرها المدح و باطنها الهجاء ، لكن كل هذا لا يغيب عن أهل اللغة و الشعر و البلاغة و النقد كما مر بنا من قبل ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فن البوستات كمال العطيوى