عشق الملكات (الحلقة الرابعة) :
تكلمت هناء بهدوء وقالت هناك صديقة معنا بالحروب زوجها تربطه صلة قرابة بإبراهيم وأظن أنه يعمل معه في نفس المكان .. أستطيع أن أتحدث معها وأعرف منها بطريقة غير مباشرة عنوان سكنه .. ردت دعاء وهل ستعطيكي إياه بهذه السهولة ؟! فقالت لها هناء دعي الأمر لي .. سأفعل كل ما بوسعي وسنحصل منها على العنوان ونزوره في منزله وتفهمي منه الأسباب التي دفعته للانسحاب من حياتك ..أطرب الكلام دعاء فصفقت أكف الأشواق وأشرق النور في وجهها ولف الدفء كيانها ومسح الهوى الحزن من قلبها فدبت الحياة من جديد في أوصالها وبسرعة البرق أحضرت اللاب وقالت لهناء كلميها الآن وخذي منها كافة المعلومات وسأطير إليه ولو اضطرني الأمر أن أقطع الفيافي والصحارى لأصل اليه فلن أتردد يا هناء .. وبالفعل دخلت هناء إلى الجروب وهي تأمل أن تكون صديقتها موجودة في هذا التوقيت على الجروب .. وبمجرد أن رأتها موجودة طلبت منها أن تحدثها على الخاص وأخذت تتجاذب معها أطراف الحديث ودعاء واقفة تنتظر ويكاد القلق يقتلها وفجأة وجدت هناء تكتب شيئاً على ورقة كانت بجانبها فنظرت فيها فإذا هي تكتب عنوان إبراهيم .. وبلمح البصر سحبت دعاء العنوان من يدي رفيقتها وقرأته مرات ومرات وتسلل الفرح داخلها وصرخت بنبضات السعادة غدا سأزوره واعرف كل شئ عن حبيبي المجهول..فاقترحت هناء أن تذهب معها لكي تشهد هذا اللقاء الذي سيكون حقاً ممتعاً ومثيراً... وفي اليوم التالي غادرا المنزل باتجاه بيت إبراهيم والخوف والقلق يتسللان داخلهما من ردة الفعل ماذا ستكون وكيف سيستقبلهم وبماذا ستهمس شفاهه لهم وهل ستكونان موضع ترحيب منه أم لا.. وبدأ التفكير يحاصرهما والاستفسارات تسيطر على عقليهما حتى اقترحا لبعضهما العودة إلى البيت دون أن يحرجا نفسيهما معه ومع أهله ...لكن دعاء أصرت على مقابلته والاطمئنان عليه ومعرفة ظروفه ...كان يسكن في حي راقٍ وعمارة فاخرة تزينها الأعمدة المرمرية التي تدل على ثراء اصحاب العمارة وبعد تردد كثير وقفت دعاء أمام باب بيت إبراهيم وقلبها يرتجف من الخوف وهي تتساءل الى اين سيكون المصير .. وإذا بالأفكار تعتصر عقلها والخوف يسيطر على إحساسها والأمنيات تتدفق إلى أعماق قلبها فأغمضت عينيها لتهدىء من مشاعر شوقها وتعيش معها أجمل اللحظات وتتخيله بأجمل الصفات .. عندما يفتح لها الباب وتلقاه سيكون عناقا أبديا حقيقياً خالٍ من الخيالات وسيكلمها ويواسيها ويعتذر لها عما فات وعندها ستشعر أن روحها قد عادت إليها من جديد بعد أن حملت على عاتقها أعباء غرامها شهورا وحاربت وحيدة الانكسار والخضوع وعانت من ذبول حبها الذي كان ينبض حياةً وحيوية و لن تندم على شئ طالما هو بقربها وسيعوضها عن تلك الأيام العصيبة التي مرت دون أن تكون بجانبه ..آآه ما أسعد اللحظات التي سأكون بها بقربه أخيط من أنفاسه عباءة تحميني من برد الأشواق ويعزف بأنامله على أوتار قلبي أرق الكلمات فأجوب بها جدران قلبه بحثاً عن الحب والأمان.. وبينما هي في قمة الأحلام إذا بصوت هناء يعلو..هل سنقف كثيراً أمام هذا الباب ؟! إن كنت قد غيرت رأيك فهلمي بنا نعود وإلا فدقي الجرس حتى يفتحوا لنا ...لالالا لن نتراجع .. دقت دعاء الجرس ويدها ترتجف هلعا.. ماذا ستقول لهم عندما يفتحوا لها الباب ؟! ..أنا أحب ابنكم واتيت أبحث عنه ؟! ...لا تهمني النتيجة المهم أن أراه أمامي أنيقاً جميلاً بقامته الممشوقة وعيناه الواسعتان وضحكته المشرقة كما أتخيله دائماً...وعلى أنغام عزف البيانو فتحت الباب امرأة في منتصف العمر عليها مسحة من جمال تدل على أنها في شبابها كانت رائعة الحسن والجمال ..نظراتها واثقة وأناقتها ملفته للنظر والنور يشع من وجهها وابتسامتها لا تفارق ثغرها وبكل لطف وذوق رحبت بهما ثم سألتهما عن حاجتهما بكل تهذيب ..تلعثمت دعاء بالكلمات وطارت منها كل التساؤلات وبدأ قلبها بالخفقان وأصبحت يداها باردتان كبرد الصقيع وأحست أن أنفاسها هربت منها وأنها لا محالة ستقع أرضاً..لكن هناء تداركت الموقف وقالت لها نحن أصدقاء إبراهيم على الفيس وقد غاب مدة طويلة عنا فأحببنا أن نطمئن عليه ..أنا اسمي هناء وصديقتي اسمها دعاء ...فردت المرأة بكل احترام أهلاً وسهلاً بكما في بيتكما ..تفضلا فالبيت بيتكما وأصدقاء إبراهيم هم أصدقائي .. بإمكانكما ان تنادياني بالملكة هكذا يحب إبراهيم أن يناديني .. ثم ضحكت ضحكة تليق حقاً بالملكات .... عبرت الملكة بهما إلى صالة واسعة جداً تبدو عليها الأناقة والروعة والإبداع فالأثاث من أفخر الأنواع والتحف من أغلى الأثمان والستائر ليس لها مثيل.. كان كل مافي هذه الصالة ينطق بالفن والذوق الرفيع ويوحي بثراء أصحاب هذا البيت .. وبدت هناء ودعاء وسط هذا الثراء وتلك الفخامة من متوسطي الحال فأيقنت دعاء على الفور أن عائلة إبراهيم لن ترضى بها زوجة لابنهم وسوف يختارون له عروساً تناسبهم مالاً وجاهاً ..جلست الفتاتان في إحدى الزوايا تتأملان هذا الإبداع وجلست أمامهما الملكة بوقار ثم نادت خادمة المنزل وطلبت منها بلطف أن تحضر القهوة وقطعاً من الكيك وبدأت تحاور الفتاتين بمودة وتسألهما عن دراستهما وهواياتهما .. ثم أخذهم الحديث فتطرقوا لشتى المواضيع وأحست الفتاتان بالراحة بقربها وكأنهما تعرفانها منذ زمن .. وانتاب دعاء شعور بأن الملكة لم تتفاجأ بقدومهما وأنها يبدو وكأنها كانت تتوقع زيارتهما بدليل أنها هي من فتحت لهما الباب وليست الخادمة .. أيعقل أن تكون رفيقة هناء قد أخبرتها بقدومنا ؟! وبعد فترة من الصمت وغليان قلب دعاء وتزاحم الأسئلة التي تحاور الفكر تجرأت وسألتها عن إبراهيم وأين هو ولماذا أنهى حسابه من الفيس..فردت الملكة بهدوء الواثقين إبراهيم مهندس بارع وكاتب يشهد له الجميع بذلك وهو عازف ماهر على الغيتار وهواياته متعددة لذا أرى ان انشغاله بهذه الأمور أبعده عن الفيس علماً أنه الآن مسافر لرحلة عمل قد تكون طويلة بعض الشئ ومن المؤكد انه سيكون سعيداً لو علم بقدومكما..عندها أحست دعاء بأن روحها قد سلبت من جسدها وأن الأمل قد مات من قلبها وان شمسها غابت عن الحياة وفؤادها انجرح جرحاً غائراً سينزف طول العمر .. ففي هذه الصالة الأنيقة احتضرت قصة حبها وتكبلت أحاسيسها بقيد لن تستطيع الأيام نزعه.. وشعرت بأن أحلامها التي رسمتها بشوق وإحساس تبخرت مع الرياح العاصفة ولكنها ستبقى في وجدانها مع اسمه الذي لن يفارقها أبداً .. وفجأةً أحست دعاء بدوار رهيب أوقعها أرضاً..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة
مع تحيات سحر الصيدلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق