عشق الملكات (الحلقة الثامنة) :
لم تتفاجأ الملكة كثيراً بردة فعل إبراهيم فقد توقعت منه أن يرفض الزواج بدعاء .. لقد كانت هي التي لفتت نظره إلى دعاء وشجعته على أن يعمق علاقته بها .. كانت تبحث له عن فتاة بمواصفات خاصة لتكون زوجة له .. فتاة مثقفة ومتعلمة لكنها في نفس الوقت وحيدة ومنكسرة وعديمة الخبرة في الحياة لتلعب معها دور الأم فتضمن أنها لن تسرق منها إبراهيم.. فتاة طيبة وقنوعة ومن أسرة فقيرة أو متوسطة الحال ترضى بما يقدمه لها إبراهيم وإن كان قليلاً ولا تكون لديها أطماع في ثروته .. أرادت الملكة من كل ذلك أن تحتفظ بخيوط اللعبة في يدها حتى لا تفقد إبراهيم ويضيع من بين يديها .. وقد وجدت ضالتها أخيراً في دعاء بعد أن حدثها إبراهيم عن بعض ظروفها التي كانت تبوح بها على صفحتها على الفيس فطلبت منه أن يتقرب منها أكثر ويتعرف على المزيد من ظروفها وأحوالها الخاصة .. حاول إبراهيم كثيراً أن يعارض فكرة التقرب من دعاء لأنه لم يكن يفكر في الزواج على الإطلاق .. ولكنه اقتنع أمام إصرار الملكة وبدأ يتعرف على دعاء فأحب أسلوبها في الحوار وأعجب بثقافتها وتعمقت صداقته معها على الفيس ثم بدأ يشعر أنها مهتمة به فاقترب منها أكثر وأكثر إلى أن تطورت هذه الصداقة إلى إعجب متبادل ثم حب حقيقي بدأ يغزو قلبيهما كطوفان هادر .. لكنه قرر فجأة أن يختفي من حياتها إلى الأبد لسبب لا يعلمه أحد غيره هو والملكة .. وعندما علمت الملكة من صديقة هناء أن دعاء تبحث عن عنوان بيت إبراهيم بعد اختفائه المفاجىء أدركت أن هذه هي فرصتها الثمينة لكي تتعرف على دعاء عن قرب فحاولت أن تستغل هذه الزيارة لكي تتعرف على أدق تفاصيل حياتها وتتعرف على شخصيتها وتطمئن لها .. وقد أعجبت الملكة كثيراً بدعاء وببساطتها وطيبتها فدخلت قلبها دون استئذان وأحبتها واقتنعت بأنها الفتاة المناسبة لإبراهيم .. ثم قررت بعد تلك الزيارة أن تضع دعاء في اختبار صعب وحقيقي لتتأكد من مدى صدق حبها لإبراهيم .. أخبرتها بأنه معاق وأنه لا أمل في شفائه .. لكن إبراهيم لم يكن معاقاً .. كان سليماً معافى ولكنه كان لديه سر كبير في حياته يحتفظ به ويود أن يبوح به لدعاء قبل أن يطلبها رسمياً للزواج .. إلا أن الملكة حذرته بإصرار من أن يبوح بهذا السر لأنه قد يجعل دعاء ترفضه .. وأمام إصار الملكة على عدم إفشاء سره قرر إبراهيم أن يقطع علاقته بدعاء فهو لا يريد أن يكذب عليها أو أن يخدعها بعد أن أحبها كل ذلك الحب .. كان إبراهيم يفكر بقلبه وعاطفته لذلك لم يود أن يجرح أحاسيس دعاء حتى لو اضطره الأمر إلى الاختفاء من حياتها إلى الأبد .. وهذا أيضاً ما جعله يحزن كثيراً لأن الملكة كذبت عليها عندما أخبرتها بأنه معاق .. كان حزيناً لحزنها ويتألم لألمها .. أما الملكة فقد كانت تفكر بعقلها وتنحي عاطفتها جانباً .. كان كل همها أن تتأكد أن دعاء هي الفتاة المناسبة لإبراهيم وأن حبها له حب صادق .. وافق إبراهيم أخيراً وبعد جهد جهيد من الملكة على الزواج من دعاء ولكنه اشترط مجدداً أن يخبرها بالسر الذي لا يزال يخفيه عنها .. لكن الملكة صرخت وقالت له إياك أن تخبرها الآن وطلبت منه أن ينتظر إلى أن يتزوج من دعاء وينجب منها أول مولود وعندها ستقوم هي بنفسها بإخبار دعاء بالسر .. وطمأنته إلى أن دعاء ستسامحه وتغفر له خاصة وأن حبها له سيكون قد تعمق بعد عام من الزواج وبعد أن يكون لديها منه طفل جميل يربطها به ويملأ عليها حياتها .. وافق إبراهيم بعد تردد كبير على أن يؤجل إطلاع دعاء على سره إلى ما بعد أول مولود تنجبه .. أما الملكة فقد كان أكثر ما يشغل بالها هو شيء آخر .. قالت لإبراهيم والدموع تكاد تنهمر من عينيها على قدر سعادتي بموافقتك على الزواج من دعاء فإني أشعر بخوف شديد من أن زواجك منها قد يجعلك تهملني وتنساني أو تتركني وحيدة وترحل معها بعيداً عني .. لم يكد إبراهيم يرى دموعها حتى حضنها وبكى على صدرها واختلطت دموعه بدموعها وعانقها بكلتا يديه قائلاً ..كم أحبك وأقدرمعروفك وما تفعلينه لأجل إسعادي .. سأشترط على دعاء أن تعيش معنا هنا في هذا المنزل ..وان لم تقبل سيكون الفراق بيننا فأنت عندي أهم من كل ما في هذه الدنيا ورضاك هو سعادتي ...ضحكت وهي تكفكف دموعها وقالت ومن قال لك أننا سنعيش هنا ؟! سأشتري لكما فيللا جديدة وستكون هدية زواجكما وسنعيش فيها سوياً وستملآنها لي بالأطفال .. احتضنها إبراهيم وقبل يدها ورأسها وقال لها سأظل مديناً لك طول العمر بكل ما تصنعينه من أجلي .. هبت واقفة وقالت له دعنا الآن نحدد موعدا مع أهلها لنطلب يدها ونناقش معهم تفاصيل الزفاف ..ثم اتصلت بأهل دعاء وحددت معهم موعدا للقاء ثم التفتت الى ابراهيم وقالت له موعدنا غداً الثامنة مساء ثم قبلت جبينه وانصرفت وهي تحاول أن تخفي دموعها ..عاش ابراهيم مع نفسه أسعد لحظات عمره وشعر أنه طائر يرتل أجمل الألحان وانه عصفور سيغرد لدعاء بأجمل الهمسات وسيحلق بها الى رحم السماء وسيعيشون معاً على ضوء الشموع والآهات وسيجعلها أسعد انسانة بعد أن عرف انها قبلت به رغم ما قالته لها الملكة عنه وعرف مقدار حبها له .. وردد هامساً وأنا يا توأم الروح أحبك أكثر من ذاتي وسأنتظر اليوم الذي يجمعنا فيه عش واحد..أما الملكة فقد أخذت الدموع تسيل على خدها خوفاً على ابراهيم من هذه التجربة وخوفاً من ان ينساها في لحظات حبه مع زوجته فتصبح أخر تفكيره واهتماماته وهي التي كرست كل حياتها لإسعاده.. وتوسلت إلى الله أن يبقيه بجانبها ويكون الورقة الخضراء بحياتها ليحيطها بالدفء والأمان .. ثم سلمت أمرها لله وغفت مع دموعها .. أما دعاء فكان ليلها خوف وقلق مما سيحدث يوم الغد وما سيحمل معه من مفاجآت للأهل وكيف سيتقبلون الأمر وما هي ردة فعلهم هل تخبرهم الان وترتاح أم تدع الامر الى ام ابراهيم التي وعدتها بأن تتكفل بإقناعهم ..ولكن لا تهتم يا ابراهيم فأنت حبيب العمر وقلبي لا يستطيع العيش بدونك لأنه مسجون بداخلك .. ثم عانقت أحلامها واستسلمت للنوم ...وكان نهارها طويلا تحسب ساعاته ودقائقه بلهفة حتى تلقاه وجها لوجه وتسمع كلماته عن قرب .. وبيدها ستدفع كرسيه الى صدر الغرفة لأنه الأمير ووحده من يستحق موقع الصدارة ...متى تدق الثامنة مساء ؟! ها أنا بالانتظار ..وحان موعد اللقاء ودعاء تنتظره بفارغ الصبر كطفل صغير ينتظر الهدية التي يحلم بها ثم يتلقاها بلهفة وهو يضحك ويغني بكلمات سعيدة ترسم بسمته ومعها كل أحلامه وتزرع في عينيه الفرح .. ثم أفاقت على جرس الباب فاندفعت دون إرادة منها الى الباب لتفتحه لكنها سمعت صوت والدها ينادي ..ما بك يا دعاء عودي فوراً الى غرفتك .. فتوقفت وهي تنظر إلى الباب وترمق لحظة العمر التي انتظرتها طويلا والتي سيتحقق منها حلمها وتزف بها الى فارس أحلامها وتشاركه حياته وتحقق معه أحلامها وأحلامه .. ستتشابك الأيادي وتبرق بدبلة الخطوبة وستصبح ملكاً لإبراهيم وسيصبح هو ملكاً لها .. وفجأة وجدت نفسها تقف وجها لوجه أمام أم إبراهيم وهي تعانقها وترحب بها ثم ما لبثت أن وقعت عيناها على ابراهيم فأصيبت بصدمة وغاب عنها وعيها فوقعت على الأرض دون حراك ..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة
مع تحيات سحر الصيدلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق