عشق الملكات (الحلقة السادسة) :
كانت دعاء تعيد النظر بين الحين والآخر إلى ساعتها تريد ان يمضي الوقت بسرعة البرق حتى يرتاح بالها وتهدأ نفسها فقد سئمت الانتظار وسئمت عقارب الساعة التي تحبو كطفل صغير...وها هي تسير باتجاه المقهى لتجد امراة تجلس وأمامها فنجان من القهوة وعلامات الحزن بادية على وجنتيها والالم يعتصر قلبها..فهبت واقفة وعانقت دعاء ودون ارادة منها سالت دموعها بغزارة وأبت أن تهدأ ودعاء تردد ما بك يا خالة ارجوكِ تكلمي فقد أفزعتِ قلبي حتى جفت الدماء في شراييني...ماذا حصل لابراهيم تكلمي أرجوك ...سأبوح لك بكل شئ رغم أنني سأخون ثقة ابني بي وسره الذي طلب مني أن أخفيه عنك ولكن أنا أولا وأخيراً أم ولا يمكنني أن أصمت وأنا أرى ابني يضيع مني وبيدي إنقاذه لذا أتيت أتوسل اليك أن تنقذي ابراهيم مما هو فيه وتضعي يدك بيدي لنحقق هذه المعجزة ولن أنسى تضحيتك مدى الحياة واليك القصة من بدايتها .. اسمعي يا دعاء .. ابراهيم شاب طموح يحب الحياة ويصارع المستحيل ويسعى الى التفوق دائماً ..أحلامه كبيرة وكثيرة ومستعد أن يضحي بعمره لتحقيقها ..ولا يعرف معنى كلمة فشل وكنت أنا له الساعد الأيمن في تحقيق ما تصبو اليه نفسه لأنني أحبه أكثر من نفسي وأضحي لأجله بالغالي والنفيس لأراه ناجحا وسعيدا كما تشتهي نفسي دون أن أظهر له معاناتي أو آلامي و لو كانت ستودي بحياتي الى الجحيم .. لذا قررت أن أجتمع بك بعيداً عن البيت بعد أن التمست مدى حبك لإبراهيم عندما كنت في بيتي ورأيتك كيف فقدت السيطرة على مشاعرك عندما علمتِ أنه خارج البلاد وأنه لن يعود قريباً وكيف بكت عيناك وتمزق قلبك من لوعة الفراق وبعدها فقدت وعيك ووقعت أرضاً عندها أيقنت أنه حبك الوحيد فقررت أن تكوني زوجة له وأماً لأولاده الذين أحلم أن تراهم عيناي وتحضنهم يداي ... ولكنني قررت ان تعرفي ما يخفيه عنك إبراهم ما دام الحب يجمعكما والزواج نهاية طريقكما .. فقد ساءت حالته النفسية ببعادك عنه.. و امتنع عن الطعام والشراب وعاش على القليل منه ليبقى على قيد الحياة.. سأخبرك بسره ولا أريد منك الآن أي تعليق أو إبداء رأي بل فكري بروية ثم ردي لي الجواب الذي أتمنى أن يكون عن قناعة وإصرار منك وليس بدافع العاطفة أو الشفقة التي يكرهها إبراهيم كثيراً ..فأنت وحدك من يقرر نهاية هذه القصة لأنها حياتك ومستقبلك ومصيرها بين يديك ...ملأ الخوف كيان دعاء ولكنها استجمعت قواها وقالت بصوت خافت مرتعش كلي أذان صاغية ياسيدتي.. بعد أن تخرج ابراهيم من كلية الهندسة اشتريت له سيارة فاخرة وكان فرحاً بها جداً لأنها كانت إحدى أحلام حياته وأنا كنت سعيدة لسعادته وأشجعه على أن يعيش حياته كما تشتهي نفسه لذا لم نترك مكاناً إلا وزرناه وتمتعنا بكل أوقاتنا معاً الى أن جاء اليوم المشئوم الذي كان نقطة تحول بحياته.. كان عائدا من عمله فإذا بسيارة تسير بسرعة جنونية ولم يتمكن سائقها من السيطرة عليها فاصطدمت بسيارة ابراهيم وشطرتها إلى نصفين ونجى ابراهيم من الحادثة بأعجوبة لكنها أدت الى إصابته بشلل في ساقيه وهو الآن على كرسي متحرك ..من أجل ذلك امتنع ابراهيم عن الحديث إلى أي أحد عن حياته الخاصة لأنه لا يحب الشفقة من أحد أو أن يظهر بمظهر الضعيف فهو شاب قوي ويعشق التحدي ولديه همة تهد الجبال، لا ييأس، ولا يضجر، ولا يكتئب، بل يبتسم للحياة ويحب الناس والعمل، وهو دائم الفرح والتفاؤل، يعمل في الصباح بمكتبه و في المساء ينكب على كتابة الشعر والأدب ثم يختم مساءه بمعزوفة موسيقية على آلته المحببة فيسمعنا أجمل الألحان ثم يأوي إلى فراشه وهو في غاية السعادة وراحة البال ..وهكذا كانت حياته الى أن جاء اليوم الذي تعرف به عليك من الفيس وكان معحباً بك لدرجة أقلقتني عليه كثيراً لكنني قلت في نفسي انها نزوة وستزول مع مرور الايام وبعدها حاول أن يختفي من حياتك ويعيش بسلام رغم مسحات الحزن البادية على وجهه والتي كان يجاهد لكي يخفيها عني ..حتى أتى ذلك اليوم الذي طرقتي به بابنا وخمر الشوق تسكرك ولوعة الفراق تجتاح كيانك كسيل عارم لا يقوى أحد على الوقوف في وجهه ..و يومها أخفيت عنكم تواجده بالمنزل تنفيذاً لرغبته ولكنه كان يراقب قسمات وجهك من بعيد ثم رآك وأنت ترتمين أرضاً فعرف كم تحبينه وكيف أن عشقكما بات مفضوحاً .. ومنذ ذلك اليوم تسلل اليأس الى نفسه وأصبح الاكتئاب رفيق دربه وباتت حالته الصحية بالحضيض وأحسست أنه يموت موتاً بطيئاً.. لذا قررت أن أصارحك بالحقيقة وأعرف رأيك دون ضغط مني عليك لانها حياتك وحدك وأنت من يقرر مصيرها ويتحمل نتائجها ...والان أقول لك ..فكري ملياً وقرري واتصلي بي هاتفيا دون أي حرج وأبلغيني برأيك... ثم ودعتها وأسرعت بمغادرة المقهى وهي تكفكف دموعها .. لف الذهول كيان دعاء واعتصر الألم قلبها حتى نزف من كل أوردته فقد تلقت صدمة لم تتوقعها يوماً ..مسكين أيها الحبيب كم عانيت لأجلي وكم تحملت أعباء غرامك لوحدك وكم قاسيت ببعادي عنك والان عرفت سرك الدفين الذي احتفظت به لنفسك دون الاخرين ولكن ما عساي أن أفعل وأنا بنت العشرين وجمالي مشهود له بين الناس ؟! ماذا سيقولون عني ؟! قبلت بزوج على كرسي متحرك بعد أن كانت تتهافت عليها العرسان .. وأهلي ما رأيهم بهذا المصير هل سيوافقون أم سيمانعون ويغضبون ..فكري يا دعاء بروية فالأمر خطير وعلي أن أصل الى الرأي الصواب دون أن أجرح أهلي أو أقتل حبي الذي هو متنفسي الوحيد ..وعاشت المسكينة بين صراع العقل والقلب ..فالعقل متمرد لا يلين والقلب لأجل ابراهيم مستعد أن يفعل المستحيل .. وعلى جبين الشقاء عاشت ليلها ومن أذان الفجر كان دعاءها لله أن ينير نهارها لتكلم هناء عن مصيبتها وتعرف رأيها وتبوح لها بكل ما في داخلها من مشاعر متناقضة تكاد تقتلها .. وحينما أشرق الفجر وسطع نوره ارتدت ملابسها بسرعة جنونية وكانت أول من سلم على ندى الصباح بتحية مخضبة بالألم ووصلت الى بيت رفيقتها ودموعها تسابقها.. فسقتها هناء كأسا من الماء وبدأت دعاء تروي القصة كما روتها لها أم ابراهيم وهناء في ذهول تام مما تسمع ثم بكت لبكاء صديقتها واحتضنتها وهدأت من روعها ثم طلبت منها أن تسمع رأيها ونصيحتها فهي لن تعيش حياتها إلا مرةً واحدة ...اعتدلت هناء في جلستها وقالت إسمعي يا دعاء.. سأقول لك رأيي في كلمتين اثنتين لا ثالث لهما .. ابتعدي عنه ... صرخت دعاء .. ماذا؟!
إلى اللقاء في الحلقة القادمة
مع تحيات سحر الصيدلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق