عشق الملكات (الحلقة الثالثة) :
أغلقت دعاء الرسالة والدموع تنساب من عينيها .. وانتابتها حالة من الصمت التام امتدت لأيام .. وعيناها الحزينتان لا تكادان تتوقفان عن البكاء حتى احتار الأطباء في أمرها فليس هناك سبب عضوي لحالتها ولكن يلزمها طبيب نفسي يداوي علتها .. ورضخ الأهل للواقع وبدأت أولى المعارك مع هذا الطبيب وهو يسأل ودعاء ملتزمة الصمت شاردة الذهن مغمضة العينين ودموعها على الخدين يبكي لبكائها الحجر وتحمل داخلها كلمات الحبيب التي غاب معها القمر فاختفت الورود من حياتها وسيطر الضباب على نفسها وتسارعت دقات قلبها تطلب الرحيل من هذه الدنيا بعد ان تدمرت حياتها وفقدت أغلى انسان على قلبها..لم تتصور يوما ان يطلق عليها أعنف رصاصة ترديها قتيلة دون رحمة أو شفقة منه.. ومرت الأيام ودعاء ما زالت تحت العلاج وكانت سلوتها الوحيدة رفيقة دربها هناء التي صارحتها بكل التفاصيل وهي تهدىء من روعها وتبرر لها كلمات ابراهيم لتخفف العبء عنها وطلبت منها أن تطوي هذه الصفحة من حياتها وتبدأ حياة جديدة من المؤكد ستجد فيها من يحبها ويهتم لأمرها وهي البنت الجميلة والمثقفة ووعدتها خيرا ... استلمت دعاء عملا جديدا حاولت معه أن تنسى آلامها وأحزانها واصبح كل همها هو أن تجد في العمل سلوتها وراحتها ثم تغادره للبيت تقرأ قليلا ثم تهرب الى النوم خوفا من الحنين والذكريات ...وذات يوم قررت أن تعيد قراءة رسالة إبراهيم بروية وهدوء وتتمعن بحروفها وتكتشف شيئا فيها .. كانت الرسالة مرفقة مع صورة لوردة سوداء وهذا نصها.. حبيبتي دعاء..كم كنت سعيداً عندما تسامرنا معا حتى بزوغ الفجر وكلنا أمل أن نرتقب يوما جديدا تبدأ معه سعادتنا ونحكي فيه قصة حبنا لكل الحيارى ..فأنا أحببتك منذ أن بدأت تكتبين بالجروب وكنت متابعا لكل حرف تخطه يداك .. وقد كان عطر كلماتك يفوح أريجا كلما كنت تعلقين على صفحتي فحروفك هي العبير الذي أتنفسه وهمساتك بلسم أداوي به جراح نفسي.. وقد أحببتك بجنون ولكنه حب بلا أمل وورد ملئ بالأشواك وياسمين بلا عبق وليل بلا نهار ..كنت على عهد مع نفسي أن لا أدخل بقصة حب مع فتاة ولكن قدري ساقني اليك كريشة في مهب الريح دون ارادة مني.. تعلقت بك وكان يكفيني رسمك على الفيس لأمضي معه الساعات أسامره ويسامرني.. وعندما أغلقت صفحتك عانيت أشد المعاناة وكرهت الدنيا بعدك ولكن صفحتك أشرقت من جديد فردت لي روحي وحلقت مع اسمك الى أعالي الفضاء فكتبت لك دون ارادة مني عن احساسي وشعوري وحبك الذي بات كفراشة رقيقة تحط على كفي وتحلق في جنبات قلبي ..وبعد ان انهيت كلماتي معك صحوت على صفعة من أنامل نفسي تسألني كيف تعترف لها بحبك وهي عنك بعيدة المنال ؟! أما كفاك ما بك ؟! غدا ستطلب منك الزواج وانت لست أهلا له لذا اكتب لها اعتذاراً فوق السطور والتمس منها الغفران وأخبرها بأن نهاية حبنا ستكون سراباً تغلفه الحسرة والدموع لذا فقد أعفيتك من كلماتي ومن احساسي ونبضاتي.. وفراقنا لا يحتاج الى كلمات وداع فأنت قارئة جيدة لما بين السطور ولأجلك سأغلق صفحتي وسأجعل دموعي قوتي وعشقك زاد حياتي وسأسافر مع ذكرياتي عبر مسافات الخيال وسيكون اسمك هو الطيف الذي يعانقني على الدوام .. ورغم حزني طبعت لك قبلةً على تلك الوردة السوداء التي تخيلتها بلون شعرك ..سامحيني يا أعز الناس وهذه أخر كلماتي على الفيس وتأكدي انني ما أحببت أحداً بهذه الدنيا سواك...ابراهيم .. أشعل رذاذ كلماته النار في قلبها..وبعثرت حروفه التساؤلات في نفسها ...وغطت همسات فراقه روحها بضباب أسود ..فانطفأ بريق وجهها وارتجفت شفتاها وسالت الدموع من عينيها وشدها اليأس نحو السراب وأضناها هذا الفراق الذي فاجأها دون سابق انذار.. يا الله من المؤكد أن هناك سر أقوى من حبه لي وعلي أن أفكر بروية لأصل الى اللغز الذي حجبه عني حتى تهدأ نفسي ويرتاح بالي وأتابع المسير وأنا مرتاحة الضمير..وبسرعة وجدت نفسها تتصل برفيقة دربها هناء وتقول لها تعالي فوراً أريد أن أتحدث معك في أمر هام .. ردت هناء بصوتها الهادىء الرقيق .. مسافة الطريق وسأكون بقربك .. إلى اللقاء دعاء ..رفعت رأسها فجأة إلى التقويم وجمد بصرها ..هل من الممكن أن يكون قد مضى على فراقنا شهران ولم يحاول أن يتصل أو يفتح صفحته أو يبرر غيابه لأحد..ونامت الحروف على شفتيها ونسائم الشوق تكاد تحرق جسدها ..وضجيج نبضاتها جنون يهلوس بالحب. فإذا بعقلها يصرخ ...ماذا دهاك يادعاء ولمَ كل هذا الانشغال بشخص تحدث معك بضع ساعات فتعلقت روحك به وجعلت اسمه منحوتاً في قلبك وسيطر بكلماته على عقلك حتى تهلوسين كالمجانين ...كفى كفى أطفئي شموعه وانسي طيفه وامسحي من ذاكرتك كلماته وعيشي عمرك فأنت زهرة الورود والكثيرون يتمنون أن تكوني زوجة لهم ...وإذا بقلبها يصرخ بأعلى صوته ..لا أريد غيره حبيباً.. ومحال أن يحل مكانه شخص أخر فالموت أرحم لنفسي .. ورد العقل عجبا لك يا دعاء كيف سمحت له أن يتربع على عرش قلبك بالرغم مما سببه لك من وجع وألم وها أنت ما زلت على العهد بعد أن أرهقك الحنين وسافر بك إلى أعماق التمني والحلم والخيال وبت شعلة من نار ..أطفئ لهيب حبك في نهر الإيمان بالقضاء والقدر واجعلي أيامك غيمة تمطر يقيناً فتطفىء نار شوقك..وشمساً تنير درب حياتك.. وما زال الصراع بين القلب والعقل يتجاذبانها وهي حائرة بينهما شاردة غاضبة يحرضها القلب ضد العقل بينما يحاول العقل أن يهدىء من اندفاع القلب حتى عادت فجأة إلى الواقع على صوت هناء وهي تردد اعذريني على تأخري وهاتي ما عندك بالحال ودون مقدمات ...فتبسمت دعاء ابتسامة حزينة ثم قالت: أنت الوحيدة التي تعرف مابي و سر معاناتي وسأكلمك كأخت لي يعلم الله مقدار حبي لك وثقتي الكبيرة بك ..تكلمي يا دعاء...صورته المجهولة عادت لتتحرك أمامي وفيها الجمال الممزوج بعطر حروفه وروعة كلماته ورقة معانيه فقد سيطر على كياني.. وذكراه تلامس روحي صباح مساء وطيفه يزورني بأحلامي ويزرع فيها السعادة والهناء وباتت سكناه بين الحنايا تستوجب المزار في كل الأوقات ..لذا عليك أن تساعديني بالبحث عنه حتى أطفىء النار التي في قلبي واعرف منه لمَ تراجع عن حبه الذي نسج منه قصائد جعلتني أبني قصوراً من الأحلام والأمنيات ..فكيف الوصول إليه ..فكري معي يا هناء بروية لنعرف بيته أو مكان عمله أو رقم هاتفه...أطرقت هناء برأسها قليلا وقد أيقنت أن حب إبراهيم قد تغلغل في حنايا قلب دعاء وثنايا عقلها وأن لا فائدة من محاولة إقناعها بتركه أو نسيانه فقررت أن تسير معها إلى آخر المشوار .. وبعد فترة من الصمت والتفكير قالت هناء لقد وجدت لك الحل .. فصاحت دعاء أسعفيني به فوراً ..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة
مع تحيات سحر الصيدلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق