تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
منذ أن توفي زوجي وقد زادت الأعباء الملقاة على عاتقي وقد أخذت من نضاره وجهي وقوامه جسدي ما أخذته تدريجيا ومن يومها أصبحت بمثابه الأم والأب لأولادي وقد أعلنت الرفض التام لكل من تقدم للزواج مني ولست أنا التي تتزوج بعد زوجها الذي أسعدني طوال حياتي وكان مثالا للزوج الطيب الحريص على إسعاد زوجته والجدير بكل حب واحترام.
وقد ظننت أن الأعباء الثقيلة الملقاة على عاتقي كفيله بإخماد الجسد وإيقاف الفكر ومواجهة الاحساس بالوحدة بعد انشغال الناس عنا بأمورهم لدرجه أنه لم يعد أي أحد يهتم بمتابعه أمورنا والسؤال عنا ولو هاتفيا ولهذا أحسست بأن الدنيا قد خلت تماما. والاحساس بالعزلة يتزايد يوم بعد يوم ولم أعد أحتمل الحياه بمفردي أبدا .
ولعل هذا الاحساس مهد لي أن أستقبل (طارق) الذي وجدته لا يختلف كثيرا عن زوجي وقد جذبني إليه رقه حديثه وأسلوبه الهادئ وسعه صدره للتفاهم والتواد والحرص على إيضاح نواياه إذا غلبت على الطرف الآخر فهمها أو ظن بها غير القصد المنشود ومن الغريب أن طارق هو الآخر يعاني نفس الإحساس رغم أنه متزوج ولكن زوجته مشغولة عنه تماما بحضور مؤتمرات وندوات وكلها تخص تنميه الأسرة وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تتعرض لها.
وقد قررنا أنا وطارق مواجهه أمورنا مواجهه جاده عاقله دون إلحاق أي ضرر بزوجته وأول ما نفعله أن يعيد عليها طارق تقصيرها في حقه ويمهلها مده معينه لتؤكد حرصها علي اسعاده وتوفير سبل الراحة له وتعويضه عما فات وأن تكون له زوجه صالحه وليست زوجه علي الورق دون ادني اهتمام وأن تلتزم بما تقدمه في ندواتها ومؤتمراتها في هذا الأمر.
والخطوة الثانية أنه لا مفر من زواجنا علي أن يخبر زوجته تدريجيا بذلك طالما هي غير قادره على القيام بدورها كزوجه.
ولم يفوتني ان أدع الفرصة لطارق ليتقرب إلي أولادي حتي يتقبلوا أمر وجوده في حياتنا فيما بعد. وكنت علي ثقه تامه أنه سوف يفلح في مهمته.
هكذا رتبنا أمورنا بعقليه واعيه حريصة علي الحفاظ علي علاقتنا وان كان الذي يفكر بعقله يظن ان الامور باتت كلها بيده.
وظننت أنا وطارق ان الأمور قد ألت الينا وأنه لم يبق إلا بضعه خطوات تبدأ حياتنا بعدها.
وذات ليله عدت أنا وطارق للبيت تلبيه لدعوه أولادي ووجدناهم قد اعدوا وجبه عشاء وأن كانت متواضعة علي قدر امكاناتهم إلا أنها تعني الكثير وأن كنت قد أحسست ان هناك ما يدبره أولادي وراء هذه الضيافة.
وبعد انتهاء الضيافة استأذن ابنى الاكبر أسامه الانفراد بي لوقت قليل وتابعه شقيقته ناهد ثم مجدي وهنا زادت حيرتي وشغفي لمعرفه ماذا وراء هذا كله. وكانت المفاجأة وبدأ أسامه يتحدث في هدوء تام:
شوفي يا ماما.. أحنا فكرنا كثيرا في أمر زواجك من عمو طارق ووجدنا من الصعب علينا أن نتقبل رجلا غريبا مكان أبي وقد اعددنا هذا الحفل للترحيب بعمو طارق كصديق ولكن ليس كاب بديل لنا...
جلست في غايه الصمت واذهلني الامر كله وطال بي الوقت في دهشتي وذهولي ونسيت ان طارق جالس في الخارج وخرجت مسرعة إليه فوجدته قد أنصرف ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق