الجزء الاخير من القصة
لن تنسى سمر ما حييت ذلك الصباح اللعين والذى استيقظت فية ذات يوم على جلبة وضوضاء وكانت وقتها طفلة فى السادسة من عمرها وبجوارها وقفت شقيقتها الصغيرة نصف نائمة وتمسك فى إحدى دميتها المفضلة وباليدالأخرى تفرك عينيها لتزيل أثار النعاس .
كانت الأصوات تأتى من الردهة الخارجية وصوت لأناس يتهامسون وجدتها تجلس متهالكة على أحد المقاعد والغضب يبدو على وجهها ولم تفهم سمر من تلك الهمسات والذى أخذ أصحابها يرمقونها هى وشقيقتها بنظرات من الشفقة
والتى لا تخلو من شماتة سوى جملة واحدة اخذو يرددونها بتشفى فى الجدة الخواجاية هربت .
ولم تكن هذه الخوجاية سوى أمها الهاربة وإدركت وقتها أنها لم تعد تلك الطفلة الصغيرة التى تلهو بعروستها مع شقيقتها بل اصبحت بمثابة أم لأختها والتى تصغرها فى الوقت التى كانت فيه هى ايضا طفلة فى حاجة الى الحماية
وإلى من يطمئنها ويهدأ من روعها ويؤكد لها أن أمها لم تتركهم أو تتخلى عنهم بإرادتها ولكنها لم تجد من يقوم بهذا فقررت أن تقوم به مع أختها منذ أن أصبحت مسؤولة عنها فوضعت يدها الصغيرة على كتفها وضمتها إليها وقالت بصوت لم يسمعة أحد إلا نفسها لا تخافى ياصغيرتى ستعود أمنا فى أقرب وقت لتأخذنا حتى أختها لم تكن تفهم أو تعى شيئاً مما يدور حولها ورغم أن هذا اليوم لم يأتى أبدا إلا أنها كانت متأكدة فى داخلها إن أمهما أبدا لن تتخلى عنهما فى مدينة هامبورج الألمانية تعرفت أمها وكانت شابة يافعة فى العشرين من عمرها على أبيها الصيدلى ذو السبعة والعشرون عاما والذى حصل على منحة من جامعة برلين للحصول على درجة الدكتوراه .
وكان الحب بينهما من أول نظرة وظل يتبادلان الرسائل ويتقابلان فى العطلات واتفقا على الزواج وإنتقلت أمهاللعيش معه بعد أن أستأجر شقة صغيرة وإتفقا على أن تعود معه إلى مصر بعد إنتها مدة المنحة والأستقرار فى الفيوم وإدارة الصيدلية التى تركها والده . عشقت أمها مصر وكانت تعتبرها درة الشرق وتحلم برؤيى أبو الهول والأهرامات وقرأت عنها الكثير من الكتب وبعد إنتهاء المنحة عاد أبيها يحمل درجة الدكتوراه وتتعلق فى ذراعة زوجته الألمانية والتى لم تعجب أمه المتسلطة
والتى أعتبرت تلك الخوجاية عدوتها منذ اليوم الأول والتى سرقت منها فرحتها بعودة أبنها والتى لم يشفع لها سوى الحمل فى طفلتهما الأولى التى أنجبتها فى مدينة الفيوم على يد طبيب صديق لأبيها وكانت تساعده زوجته والتى اصبحت صديقة لأمها وساعى البريد بينها وبين أمها .
أهتزت الطائرة أهتزازة شديدة وتأرجحت فى الجو نتيجة تعرضها لإحدى المطبات الهوائية كما أخبرهم الكابتن وبعد أن هدأت الأمور عاودت سمر إسترخائها فى المقعد مع ذكرياتها لقصة الحب التى انتهت نهاية مؤلمة حزينة فقد قتل أبيها فى حادث سيارة على يد سائق متهور وأنهى حياتة وهو فى ريعان الشباب ليترك زوجة وطفلتين فى بلد غريبة عليهما مع أمه المسنة والتى اعتبرت أمها قدم شؤم على إبنها وسقتعا من العذاب ألوان ولم يكن بجوار أمها سوى الطبيب صديق والدها وزوجته والتى ساعدا أمها على الهرب وتدبير شؤنها حتى عادت إلى موطنها ولم تسامحهما الجدة وظلت زوجة الطبيب وصديقة أمها هى همزة الوصل بينهما وتوصيل الرسائل اليها وعرفت من الخطابات المعاملة السيئة التى تعاملت بها الجدة مع أرملة أبنها
أخذت سمر تعبث فى الدبلة الذهبية والتى تحيط بإصبعها وابتسمت عندما تذكرت زوجها وأطفالها والذين ودعتهم فى المطار مع شقيقتها وأبنائها فقد تزوجتا واصبح لكل منهم بيت وأولاد وقد ماتت جدتهما بعد ان ساندتهما كثيرا حتى تخرجتا من الجامعة .
أفاقت سمر على صوت المضيفة تطالب الركاب بالجلوس فى أماكنهم وربط الأحزمة تمهيدا للهبوط فى مطار برلين وتسارعت ضربات قلبها عند تذكرها موعدها صباحا مع مندوب من السفارة المصرية فى برلين لمعرفة اى معلومات عن أمها بعد أن أنقطعت أخبارها وخاصة بعد وفاة صديقتها والتى كانت ساعى البريد لهما وذلك بمساعدة صديق لزوج شقيقتها فى السفارة للبحث عن أمها واخذت فى نزول سلم الطائرة لتبدأ أولى خطواتها فى ألمانيا وما تخبئه لها الأقدار من مفاجأت
وفى سفارة جمهورية مصر العربية كان المشهد الأخير خرجت سمر من السفارة وهى تترنح تمسك فى يدها مظروف وكادت أن تسقط لولا مساندة رجل الشرطة لها الواقف بجوارها والذى خرج معها وشد على يدها عبرت الشارع واتجهت
إلى كابينة التليفون العمومى لتتصل بشقيقتها التى أفزعها ظهور رقم الكود بألمانيا وردت على الموبيل وهى تسارع نبضها وقلبها يقفد بين ضلوعها ليأتى إليها صوت سمر باكيا من الجانب الأخر ماما ماتت ماتت فى مصحة أمراض نفسية منذ ثلاثة شهور وأغلق الخط وانتها حلم حياتها بهذه الرحلة الحزينة
خالد المنصوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق