رحلة سياحية في طبق سلطة ........ بقلم وألوان / خالد سليمان
طبق سلطة في قمة الأناقة أخذني من همومي وامتصّ أحزاني ، كنت أظنّ أنني الذي آكله ، ولكنّه أخذني من نفسي ، سرقني من زمني ولحظاتي ، التهمني ، وخلّصني من شوك همومي .
ضاقت بي لحظاتي ، وخرجت أحمل كراكيب أحزاني وهمومي وحدي ، بعد هجوم كاسح من موكب الذكريات نال من صفاء ذهني ، وشرب من دموعي ؛ فضاقت بي المساحات الواسعة ، وحدتي تأكلني تأكل أعصاب أعصابي ، فقررت النزول ، ولكن إلى أين ؟؟
طاردني خاطر كئيب : أنّ حزني أكبر من كلّ الدنيا ، وأثقل من صخور العالم ؛ فسرت خطوات على شاطئ البحر ، وتذكرت هذا الجبّار الهادر بأمواجه السوداء الملوّنة بسواد الليل ، وتذكّرت قدرة الله عليه ؛ فقلت الله أكبر .
ونال منّي الإعياء ؛ فارتميت على رمال الشاطئ ، لتنال منّي نسمة باردة وخزتني ببردها ، فقررت الذهاب إلى مطعم قريب ، وحين دخلته ؛ بهرتني أضواؤه ، وأناقة مقاعده ، ونظرت بجانبي ؛ لأرى مائدة أنيقة يزيّن وسطها طبق سلطة اشتهته نفسي ، فطلبت عشاء خفيفا ، على أن يكون هذا الطبق مزينا كما طلبت .
وحضر شاب أنيق مهذّب مبتسم ، يضع الأطباق بطريقة أنيقة وأصابع ماسيّة ، ونظرت من النافذة ؛ لأرى الليل يسكب حبره في البحر الجبّار الهادر ، وفي نهاية نظرتي قلت : سبحان الله !
لتسافر عيني في أناقة طبق السلاطة ، وكيف أخذني في رحلة سياحية لونية ، امتصّت ما بي من كآبة الهمّ والغمّ وثقل الحزن وحرقة الدمع ، فقد حملني اللون الأخضر بأزيائه الباسمة بين خطوط وسيمة للشبت وأجنحة ورق الكزبرة الخضراء ؛ لتصل بي إلى شواطئ البرتقالي الهادي لجزر مبشور بوسامة بالغة ؛ حيث تقلّني سفينة البنفسج الأنيق لنبات يشبه الكرنب لكنه بنفسجيّ ، ووصلت بي لحمرة البنجر الذي توزّع في بياض الطبق ؛ لترتحل بي سفينة الرحلة لأطراف الطبق الذي تراصت عليه قطع الطماطم في مشهد بديع ، كأنه عرض أزياء لونيّ بديع ، وازدادت أناقة الألوان بلمعة زيت الزيتون ،
وبعد ذلك السفر البصري الرائع نظرت حولي ؛ لأجد المطعم قد امتلأ بوجوه أوربيّة وإفريقيّة وآسيوية وربما أمريكية ، وسافرت عيناي في المكان سبحان الرزّاق !
كلّ قد وجد طعامه وفاكهته ،
فحبّة الطماطم كم فيها من قطعة ؟
وكل قطعة منها رزق إنسان هنا ، فربّما وجدت قطعة طماطم قد سافرت في العالم حين أكلها هؤلاء .
كل هؤلاء قدّر الله لهم رزق هنا فجاؤوا إليها .
هذا الطبق بكل تفاصيله أدهشني فالطبق فرنسي الصنع ، كم يد صنعت ورسمت ولوّنت وزخرفت وعبّأت حتى وصل إليّ وحدي ؟ .
وحبة الطماطم مصرية ، كم يد لمستها حتى وصلت إليّ أنا ؟
وزيت الزيتون الأندلسي وليس الإسبانيّ ، هذا الزيت كم زيتونة اشتركت في صنعه ؟
وكم يد زرعت وحملت وعبّأت وحملت إلى المصنع ؛ لتسافر قطراتها في كل الزيت ، ثمّ تترك كل الدنيا ؛ لتأتي لي وحدي .
وتلك البهارات الرائعة من جزر البهار ، أو من الهند كم يد قد زرعت وحملت وعبّأت ؟
وهذا الملح من أي شاطئ قد خرج ؟
أرزاق ساقها الله إلى عباده وقليل من يشكر !
، واتسعت نظرتي لتشمل كأس الماء الأنيق ، وذلك الماء الصافي الرائع من أي سحابة جاء ؟
وكم قطرة فيه ؟
وكيف حملها نهر النيل ؟ وفي أي مكان اختلط بماء آخر ، وظل يسافر ويسافر ؛ حتى وصل إليّ ، وانتقلت قطراته من مكان لمكان حتى وصلتني هنا على آخر نقطة على شاطئ البحر المتوسّط ، سبحان البديع !
رحلة طولها آلاف الأميال سافرتها قطرة الماء حتى وصلتني ، ومرت على الملايين لكنها من نصيبي أنا .
بل اتسعت نظرتي ؛ لتشمل زجاج كأس الماء من أي رمال جاءت ؟
والنار التي أحرقتها ما مصدرها ؟ ،
واليد الصانعة الماهرة من أيّ بلد ؟ وكم من الأيدي قد نالتها ولمستها ؟
لكنها وصلتني أنا ، وستصل غيري من بعدي فسبحان البديع !
واكتشفت بعد تلك الرحلة أنني بلا كآبة ولا حزن ، أين أثقالي وهمومي ؟ .
أين حزني وهمّي وغمّي ؟
وأنا أرى تكريم الله لي أنّ كلّ تلك المخلوقات ساقها الله لي إكراما منه وإنعاما عليّ ،جيش من المخلوقات جاء للاحتفاء بي ؛ فأحسست بنفسي محمولا على سحابة بنفسجية مضيئة مسافرا بين ثنايا العالم كأنني أركب بساط الريح ، تضاءلت همومي ، وتلاشت جبال حزني وأحسست أنّ لي أجنحة تنتقل بي بين روائع الأماكن فسبحان بديع السموات والأرض .
هل منكم بعد هذه الرحلة يشكو هما ؟؟؟!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق