إنه من المحال أن يكون
أي شخص متحرراً تماماً في ذائقته
فنحن نتجاوب ونتفاعل مع أشياء معينة ،ولا نتجاوب مع أشياء أخرى.
والقُدرات الذهنية والإنفعالية والإتجاهات أيضاً، هي العامل الأساسى أو الديناموا المحرك لذلك.
فهي تتيح لنا أن نتجاوب مع نوع معين من الكتابة وتحوُّلُ بيننا وبين تذوق نوع أخر.
هذه هي الذائقة السليمة
فنحن نشك دائما في الشخص الذي يحب كل شيء
فالارجح أن هذا الشخص
لا تتوافر لديه سمة الحساسية بالحروف ( حافظ مش فاهم ولا حاسس )
ولا يشعر بطبيعة الأعمال الفريدة
وتصبح كل الأعمال بالنسبة له متماثلة
وهذا أقل ما يقال عنه أنه ردئ الذوق، بل وبالأحرى يتيم الذوق.
وكما قال (سانتينا ) قديماً :-
" لو كان تذوقنا أقل شمولا، لكان من الجائز أن نكون أكثر صواباً "
وحين قرأت نص الشاعر إبراهيم رضوان
وهو من شعر العامية المصرية الأصيلة شعرت بأنفاس المدرسة الرومانسية وروادها العظماء
أمثال خليل مطران وإيليا ابو ماضي وصالح جودت وإبراهيم ناجي ... وغيرهم
حيث بدأ الشاعر المذكور نصه
برجاء واستعطاف من الحبيبة
مما يثير شفقة المتلقي مذ الوهلة الأولى وهذا هو المطلوب من التراجيديا
ثم انتقل إلى التمني والوصف للحبيبة كنوع من الاغراء المحمود لكي تتخيل المشهد فيرق قلبها، أيضاً يدفع المتلقي للقراءة.
ثم ختم حديثه بكبرياء وشموخ حيث أعطاها حبه ليكون فرض
كما هو فرض سيطرته عليها أي من ضعف جميل لقوة شخصية أجمل.
وإليكم النص.
إتشققت أرضك..
عطش الوجع كافر
يا وليفتي..في عرضك..
قمر الربيع سافر
ياما نفسي أرويكي..
من قلتي دايما
ينوي في يوم ديكي..
فوق مدنتك يدن
من عمري أديكي..
و اهديكي بالأحسن
حبي يكون فرضك..
لو كنا هانعافر
التشقق على حد معلوماتي يكون في الأراضي الخصبة وسبب حدوث إنفلاق وتشقق الأرض هو عدم إدرار الأمطار أو تأخر المياة عليها لأي سبب.
والتشقق إنذار من الأرض بالتصحر،
والأرض/ سيميائيا ترمز الي الأصل والانتماء والتواضع
والعطش / يرمز إلى الحاجة والعوز والتعب
وكافر/ انرياح للهلاك والضياع.
ويكأن المحب ود أن يوجه رسالة إلى الحبيبة
ويقول إرجعي فأنت الماء وأنا ارضك التي كادت أن تهلك بعدم رجوع أو رَيِّكْ لها ( إرحمي قلبي ) فالارض بدون ماء قيمة لها.
وتجسيد الوجع المعنوي وأنسنته بالكافر أعطي المشهد أهمية وجعل الموقف في أقصى ذروته مما يثير حفيظة المتلقى ويجذب إنتباهه ويتذكر على الفور المثل القائل بأن ( الجوع كافر )
والكفر تعني ( الإنكار ).
يا وليفتي ..في عرضك
قمر الربيع سافر.
الوليف والأنيس هو أقرب الناس إلينا
وهنا يستعطف المحب الحبيبة ويسترجيها وينبهها أن الشباب أوشك على الرحيل بسبب أعراضها عنه.
وسيميوجيا استعان الشاعر ببعض مقومات الطبيعة ولا أحب الإكثار من المسميات الاجنبية وأقول الإستاطيقية لأننا أمام نص عامية سهل ومنساب فنجد مفردات:-
الوليفة / توحي بالقرب والأمان والاطمئنان
قمر / توحي بالبهجة والرومانسية والهدوء .
الربيع / توحي بالنشاط والراحة والنقاء وتفتح الزهور.
وقمر الربيع/ ترمز إلى نضارة الشباب وجمال الروح
سافر/ توحي بالبعد والغياب والاغتراب والقلق والمجهول.
ولكن عدم ذكر المكان والزمان أعطى مديدية وانفتاح وشمولية للنص.
والنداء / ياوليفتي..
يلفت الإنتباه ويشوق المتلقي لمعرفة ماذا سيقول؟
كما أن الوليفة توحي بالحميمية والأصلنة والعراقة والفخامة..
وعلو قدر المقصود عند المتحدث.
وأتذوق طعم الرجاء من الحبيب ونبرة العتاب ( في عرضك قمر الربيع سافر)
للاستعطاف
والتقديم والتأخير واصل الجمله (سافر قمر البيع في عرضك)
مما أضفى علي النص عنصر التشويق وإعمال ذهن المتلقي وأيضاً يوضح أهمية حدث الإعراض وخطورته.
كما ذكرت
ثم انتقل من الرجاء إلى التمني والوصف
ياما نفسي أرويكي
من قلتي ديماً.
مفردة(ديماً) قطعت الشك وأفادت الإصرار وقوة الشخصية بعد الرجاء والتمني.
وبعد أن كان يصف الأرض بالتشقق والجفاف والتخبط في الأفكار أصبح الأن يطلب أن يرويها
وبين /يروي/ ويتشقق/ طباق ملحق فالمطابقة مخفية
(سببية)
نستنجها من المعنى
فالتشقق سببه عدم الري
ولقد جاءت الأبيات مترابطة مكملة بعضها البعض ويوضح ذلك انسيابه من ( التشقق ) في البداية إلى ( الري ) في المنتصف أفادة وحدة النص العضوية .
لان القُلة لاتكفي لري الأرض
وأيضاً كناية عن كرم الحبيب.
ينوي في يوم ديكي
وهل الديكة لها نية كالبشر؟
بالطبع لا ولكن تشبيه للديك بالانسان ونية الديك هي صوته قبل أذان الفجر وبداية بزوخ النور فهو يتمني أن تكون انيسة وحدته.
والتقديم والتأخير أثبت طول نفس الكاتب وتمكنه من ادواته
فالموسيقى جاء متناغمة خلابه لافته للإنتباه مُطربة للروح باعثة للأمل مريحة للمتلقي محفزة على إعمال الذهن
وجاءت البلاغة فضفاضة مُريحه موسيقية
وإستخدام الجناس الناقص جاء خادماً للمعنى موضحاً له وخاصة في المفردات/
أرضك/ عرضك /كافر/ سافر /ارويكي/ ديكي.
ولكن توقف النغم من بداية من عمري اديكي.
وها هُنا أرى الشاعر يلتقط أنفاسه المشتعلة بالاشواق في لحظة مغادرة الإلهام له
حيث جعل حبه لها فرض يجب تعظيمه وتقديسة
وهنا تظهر قوة الكاتب بعد الرجاء والتمني و استجلاب الشفقة بدأ يفرض هيمنته وشخصيته ويُكَرمْ حبه ويفخمه ويجعله فرض
كما أنه استخدم الأفعال الماضية / اتشققت /سافر
ليقنع المتلقي أن الأمر تم لامحالة
ثم يرجع يحييه ويجعلة مستمراً حيث يعطي المتلقي الأمل كي لاييأس وذلك باستخدام الأفعال المضارعة/ارويكي/ ينوي/ يدن/ اديكي/ اهديكي/ نعافر.
حروف من ذهب تحمل كذا
تأويل
دامت الأنامل معطاءة
## زين المعبدي ##
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق