الأربعاء، 21 أبريل 2021

رحيل مدينة ....... بقلم الأديب/ مجدى متولى إبراهيم

 قد تكون صورة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏وقوف‏‏

رحيل مدينة
كانت صباح.. تستعد للهجرة بعد أن أعلن زوجها استعداده للرحيل.. عيناها تحدقان هنا وهناك تودع كل شيء.. متثاقلة الخطى لا تقوى على السير, ومع ذلك فقد كانت تمشى بالصالة ذهابا إيابا أصابعها متشابكة بقوة تحاول معها إخفاء حالة التوتر التي تستشعرها في وحدتها.. صامتة هي لكنها تنصت لصوت الضجيج بأعماقها.. لملمت أشلاء أحلامها, الإنارة خافتة, وصافرات الإنذار تخترق أذنيها.
الأرض تهتز تحت قدميها وتميد بما عليها من عمارات شاهقة كأنه الزلزال, والناس يركضون في كل اتجاه بسرعات جنونية, بدا وكأن العالم على وشك الفناء.
صوت الزجاج المتساقط من واجهات المباني والمحال التجارية يصيبها بالرعب, يخيم الليل بعباءته على رأس السماء يتابع دموع المدينة المحترقة, آهاتها, صرخات نسائها وشيوخها المؤلمة, تمزق تلك الوحشة الصعبة لشوارعها ومنازلها التي أكلتها القنابل بمن فيها.
أسندت ظهرها إلى أقرب حائط قبل أن تتابع سيرها, بحثت عن أطفالها وحضنتهم بقوة واحتمت بالجدران.
من خلف النافذة من الجانب الآخر ترى صورة تصدمها.. المنزل المقابل خارت قواه وسقط أرضاً.. كذلك سقط قلبها بين أضلعها المفككة.. راحت تتحسس أطفالها توقظ من استغرق في النوم.. الفوضى تعم أرجاء المدينة, وصراخ النسوة يمزق أحشاءها.. استرسلت دمعتان على وجنتيها تحملان معهما كل ذكريات المكان.
فها هنا تحدثا عن المستقبل وأخذا يتضاحكان وهمس لها:
ــ كم أكره الحرب والرحيل ؟
وعلى تلك الأريكة البالية كان يجلسان سوياً يتهامسان, ابتسمت شفتاها ابتسامة هادئة لم تخل من الغصة والمرارة. أوقظها دوى الصوت. الذي يسكن كل الأصوات ويهز الجدران الهشة.
كل المدينة تصحو على أصوات الرحيل وكانت لحظة وداع تألم لها الجميع.. نهضت من سكونها مذعورة على آذان الفجر تبحث عن أطفالها تتحسس أجسادهم النحيلة.. تنصت إلى دقات قلوبهم:
ــ حمداً لله أنهم على قيد الحياة.
بزغ الفجر, والسكون يخيم على المدينة.
الحركة معدودة والكلام همس.. إلا الآذان يخترق آذان الآخرين:
ــ الله أكبر.. الله أكبر.
صوت يجلجل بالتكبيرات ومرتل يبكي بصوته الشجي مع آيات الله, وصوت آخر يردد عذابات الراحلين وينوح بحاله على الفراق وينتحب بصوت الرصاص وشهادة ميلاد جديد !..
بزغ الفجر وازدادت الخيوط البيضاء في السماء اتساعاً. فيزيح من ستار الليل الموحش كل شيء ساكن إلا الأم وأطفالها:
ــ أين أنت ياعبدالحميد.؟
بقلم الأديب/ مجدى متولى إبراهيم

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فن البوستات كمال العطيوى