الرحـيل
عشرون
عاماً هي عمر فراقنا, منذ أن لامست يدك يدي بسلام أخير, ضاعت ملامحك من
عيوني, وتغيرت ملامحي ألف مرة, وفي كل مرة أتذكرك بشكل جديد يتواءم مع شكلي
المرسوم على لوحة الوجه العنيد.. صغيرة كنت, وكان وجهي في بحور البراءة
زورقاً للمعاني الطيبة.. هاربة من زمن الفقر والضآله, والخوف المسربل
بالاضطراب يلف خطواتي.. عام من تعارفنا, زارني الخجل, وأنت تمد يدك بأول
رسالة تحمل المستحيل في كلمات ساذجة لكنها صادقة, وكان العمر مضى منه عشرة
من الأعوام المبسوطه في احتدام مشاعري, كانت كلماتك المتعثرة رقيقة مثل همس
العيون, ومضت بعد تلك الرسالة خمس من السنوات, وجئتني كصبي متسع الصدر
والأحلام.. تحمل الموانئ في أزرار المعطف, وتلوكَ المعاني بألف كلمة
مستعربة, وقفت مستغربة.. نصف كلامك كان مسجوناً في لغة لا تعرفني, نظرت
إليك في استكانة, فقد سرقنا الفوراق وأنت تمر كل لحظةٍ على نافذة أفكاري,
لم تفارقني صورتك, وأنت ترفع خصلات من فوق جبيني لتعرف من عيوني كم من
ساعات الليل سرقت وأنا في مضجعي أحصي النجمات اللامعة.. يوم رحلت ومعك
حكايتنا الرائعة, ووعدتني أن تمر على قلبي كل مساء, وأن تأتيني بأحلى
الأشياء, وتمر كل الأعوام ونحن معاً نرتجل اللحظة الهادئة والهانئة.. ضعت
مني في لحظات, وضاعت مني كل السنوات في انتظار أن تمر ولوظلاً..
عشرون
عاماً قد مضت, لم أنس فيها لحظة أن فارقت الديار ببسمة جامدة تخنق الشوق
في العيون, وقلت بعد عام نلتقي, أو بعد عشرة أن لم يكن لي اختيار, ونسيت في
زحمة الأماني أن تعطيني تذكاراً..
عشرون
عاماً قد مضت بكل ملامحك القديمة.. حتى تغيرت ملامحي.. لو صادفتني ألف
مرة.. فلن تذكرني فلم يبق منك إلا مشاعر.. التي زينتها بالطفولة المطوية
الرغبات!!
من المجموعة القصصية "لعنة الرحيل"
بقلم الأديب/ مجدى متولى إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق