الأحد، 7 ديسمبر 2025

رؤية نقدية في نص نعمت مصطفي "أضاءتني السكينة " بقلم د / أميمة منير جادو.



أضاءتني السكينة

 

حين اخترتُ سلامي،

لم أكن أبتعد عن أحد،

كنت أقترب من نفسي…

كما يعود عابرٌ تاه طويلًا

إلى بابٍ يعرفه قلبه قبل عينيه.

 

كنت أتلمّس طريقي في داخلي،

وأتعثر بأسئلة قديمة

أرهقت روحي أكثر مما أرهقها التعب.

حتى وصلتُ إلى بقعةٍ هادئة

كأنها نُقطة نورٍ

حُفِظت لي وحدي.

هناك فقط أدركت

أن الضوء ليس شيئًا يأتي…

بل شيئًا يستيقظ.

 

قالوا إنني تغيّرت،

لكنني لم أتغيّر،

أنا فقط عدتُ إلى هيئتي الأولى.

إلى تلك النفس التي كانت تنادي عليّ

في منتصف كل ليل،

وتقول:

"اقتربي… فما خذلكِ الله يومًا."

 

صرتُ أمشي بطمأنينة

لا تحتاج إلى شاهد،

كأن الأرض تعرف قدميّ

وتفسح لها الطريق.

وصار قلبي يتنفّس

بعد عمرٍ من الانحناء،

كأنه استعاد رئتيه من جديد.

 

لم أُغلق بابًا،

ولكنني فتحت نافذةً

تطلّ على سكينةٍ

كنت أمرّ بها دون أن ألمسها.

ومن ضاق بنوري

لم يكن يرى إلّا ما يعتم فيه،

لا ما يشرق فيّ.

 

سلامي لم يكن صدًّا لأحد،

بل اعترافًا صادقًا

أن روحي أرقُّ

من أن تُسكن في مواضع

لا تعرف قدرها،

وأثمن

من أن تُودع في قلوب

لا تحسن حراسة الضوء.

 

أنا الآن أعود إليّ

كما يعود النهر إلى مجراه الأول،

هادئة،

ثابتة،

مطمئنة

كمن وجد أخيرًا

المكان الذي كُتب له.

 

فالقلب الذي عرف طريقه إلى الله،

لن يضلّه بشر،

ولن تهزّه العتمة،

ولن يحتاج إلا إلى نفسه…

كي يضيء.

.

نعمت مصطفي

(توتو الخميسي)

 

 

الدراسة النقدية

 

 نور الذات وسكينة الروح: قراءة نقدية في نص نعمت مصطفي "أضاءتني السكينة "
د / أميمة منير جادو. 

قراءة نقدية للنص

. 1السياق العام للنص: النص نص شعري-تأملي، يعكس رحلة داخلية نحو السكينة والطمأنينة.  الكاتبة تصف عملية إعادة اكتشاف الذات، والعودة إلى "هيئتها الأولى"، بعد تجربة من التشتت والتعب النفسي. النص ينتمي إلى أدب الذات والكتابة الروحية، حيث يسعى النص لإظهار الوعي الداخلي وتحرر الروح من قيود الآخرين والمحيط الخارجي

. 2. محور الذات والعودة إليها: النص يُركز على فكرة العودة إلى النفس الأصيلة، وهو محور رئيسي في أدب الرحلة الروحية والتأمل الذاتي. استخدام العبارات مثل: "كنت أقترب من نفسي…" و*"عدتُ إلى هيئتي الأولى"* يشير إلى رحلة معرفية داخلية تهدف لاستعادة السلام الداخلي. هذه العودة ليست انقطاعًا عن العالم، بل إعادة ترتيب العلاقة بين الذات والآخرين  .
3-
الضوء والسكينة كرموز مركزية: النور والسكينة هما رمزان متكرران في النص. تصف الكاتبة الضوء الداخلي كشيء يستيقظ وليس مجرد حدث خارجي: "الضوء ليس شيئًا يأتي… بل شيئًا يستيقظ" . هذا التوصيف يعكس فلسفة صوفية، حيث الفهم الحقيقي والسكينة الداخلية لا تأتي من الخارج، بل تتحقق من خلال الوعي الذاتي. الضوء هنا رمز للحقيقة والوعي والطمأنينة، بينما السكينة هي التجسيد النفسي لهذه الحالة

. 4. التحرر من قيود الآخرين: النص يؤكد على حماية الذات وقيمتها: "سلامي لم يكن صدًّا لأحد، بل اعترافًا صادقًا أن روحي أرقُّ" . الكاتبة تعرض موقفًا حازمًا من احترام الذات، معتبرة أن الروح تستحق الانصراف عن ما يقلل من قيمتها. هذا يبرز بُعدًا نفسيًا هامًا: استقلالية الذات وعدم التفريط بالسكينة الداخلية

. 5. الاستقرار النفسي والطمأنينة: النص يصور الطمأنينة كحالة مكتسبة بعد تجربة البحث الداخلي: "وصار قلبي يتنفّس بعد عمرٍ من الانحناء، كأنه استعاد رئتيه من جديد

" .   6. اللغة التصويرية هنا تربط النفس بالهواء والتنفس، ما يعكس شعور الانعتاق الداخلي. استخدام الطبيعة كاستعارة للنفس، مثل: "كما يعود النهر إلى مجراه الأول"، يعزز فكرة الانسجام والعودة إلى الحالة الطبيعية للنفس

. 7. الأسلوب الفني والبلاغي: الكاتبة توظف الجمل القصيرة والمكثفة، والاستعارات القوية، والتكرار الإيقاعي: هادئة، ثابتة، مطمئنة. هذه العناصر تمنح النص إيقاعًا متناسقًا يعكس الحالة النفسية للكاتبة ويجعل القارئ يعيش التجربة نفسها. كما أن النص يستخدم توازي الجمل والتكرار لتأكيد المعنى النفسي: "لن يضلّه بشر، ولن تهزّه العتمة

". 8. البعد الروحي والديني: وجود الإشارات إلى الله: "فما خذلكِ الله يومًاو*"القلب الذي عرف طريقه إلى الله، لن يضلّه بشر"* ، يمنح النص طابعًا صوفيًا واضحًا. السكينة هنا مرتبطة بالصلة بالله أكثر من الاعتماد على البشر، ما يعكس رؤية تربط الهدوء النفسي بالروحانية واليقين الإيماني

. 9. الدلالة العامة للنص: النص يقدّم نموذجًا رحليًا داخليًا للتصالح مع النفس وإعادة اكتشاف الذات، ويبرز القوة الداخلية والطمأنينة المستمدة من الوعي الروحي. إنه يمزج بين الشعر، التأمل الروحي، والتجربة النفسية، ليصبح نصًا غنيًا بالرموز والصور البلاغية التي تعكس رحلة الإنسان نحو ذاته

 

. ----- إليك قراءة مركّزة على الدلالة النفسية والروحية لنص نعمت مصطفي "أضاءتني السكينة  .

 

-1 الدلالة النفسية: العودة إلى الذات: النص يعكس رحلة اكتشاف الذات بعد ضياع أو إرهاق داخلي. العبارات مثل: "كنت أقترب من نفسي…" و*"عدتُ إلى هيئتي الأولى"* تشير إلى إعادة التواصل مع النفس الأصيلة بعد فترة من الانشغال بالآخرين أو الأحداث الخارجية. هذا يعكس الحاجة النفسية للتوازن الداخلي واستعادة السلام النفسي. التحرر النفسي: الكاتبة توضح رفضها للارتباط بما يقلل من قيمة روحها: "سلامي لم يكن صدًّا لأحد، بل اعترافًا صادقًا أن روحي أرقّ" هذا يعكس وعيًا نفسيًا بالقيمة الذاتية وحدود العلاقات الصحية، وهو عنصر أساسي في النمو النفسي والنضج العاطفي. الطمأنينة الداخلية: استعادة القلب لرئتيه بعد الانحناء: "وصار قلبي يتنفّس بعد عمرٍ من الانحناء" رمز لاستعادة القدرة على الحياة بحرية نفسية، والتخلص من الضغط النفسي والاحساس بالتقييد. النص يقدم نموذجا للسلام الداخلي كعملية علاجية للنفس. التأمل والمساءلة الذاتية: النص يظهر الذات وهي تتلمّس طريقها داخل الداخل، وتواجه الأسئلة القديمة التي أرهقت روحها. هذا يعكس وظيفة نفسية هامة: المساءلة الذاتية والتفكر في التجارب السابقة لتجاوز الأزمات

. 2. الدلالة الروحية: النور والسكينة: الضوء يمثل الحقيقة والوعي الروحي، والسكينة تمثل حالة الاطمئنان التي تنبع من الاتصال بالروح: "الضوء ليس شيئًا يأتي… بل شيئًا يستيقظ" النص يؤكد أن الصفاء الداخلي ليس حالة مفروضة من الخارج، بل نضوج داخلي يستيقظ مع الوعي الروحي. الاعتماد على الذات والروحانية: السكينة ليست مرتبطة بالآخرين: "القلب الذي عرف طريقه إلى الله، لن يضلّه بشر" هذا يعكس فكرة صوفية، أن الإيمان بالله والاتصال الروحي يمنح الإنسان الثبات والطمأنينة بغض النظر عن محيطه. العودة إلى الأصل الروحي: استعارة النهر الذي يعود إلى مجراه تعكس مفهوم العودة إلى الأصل الطبيعي للنفس والروح: "أنا الآن أعود إليّ كما يعود النهر إلى مجراه الأول" هذه إشارة إلى الاعتقاد بأن النفس البشرية تكتسب استقرارها وطمأنينتها حين تعود إلى مصدرها الروحي، وهو الله. الحماية الداخلية للروح: النص يوضح أن السلام الداخلي لا يُفقد لمن عرف قيمته الروحية: "أثمن من أن تُودع في قلوب لا تحسن حراسة الضوء" هنا الروح تنضج لتعرف من يليق بها ومن يستحق تفاعلها، وهو درس روحي مرتبط بالحكمة الداخلية والوعي بالقيود الخارجية. الخلاصة: النص يمزج بين الدلالة النفسية (اكتشاف الذات، التحرر الداخلي، الطمأنينة، المساءلة الذاتية) والدلالة الروحية (النور، السكينة، الاعتماد على الله، العودة إلى الأصل الروحي). الرحلة الداخلية فيه تعكس نضوجًا نفسيًا وروحيًا   متوازيًا، ما يجعل النص نصًا غنيًا بالعمق الداخلي والرموز التأملية.

 

 

 

 

فن البوستات كمال العطيوى